.........

   
 

 

عن المخلفات الخطرة في مدينة جدة 

مضت أعوام على إنشاء وتشغيل المنطقة الصناعية في مدينة جدة، وخلال هذه الفترة غابت الرقابة البيئية. ففي مدينة جدة، وكما ذكر وكيل الأمين للخدمات، ما يقرب من 1500 مصنع، الكثير منها ينفث سمومه في البيئة بطريقة عشوائية، وتجهل الأمانة كيف تتخلص بعض المنشآت من مخلفاتها الصناعية ولا تعرف مصيرها.

لقد تم إنشاء المنطقة الصناعية في مدينة جدة قبل ثلاثة عقود تقريبا، وتم تشغيل المصانع فيها دون مراعاة الجانب البيئي. فلا توجد في حدود المنطقة الصناعية، ولا قريبا منها، محطات لمعالجة النفايات السائلة والصلبة، ولا مردم للتخلص من المخلفات الصناعية بعد معالجتها أو على حالتها. أما الرقابة البيئية على الأنشطة الصناعية فشبه غائبة أو معطلة في هذه المنطقة. وإلا، فما هو سبب الممارسات الخاطئة، والتخلص العشوائي من المخلفات الصناعية؟

وجاء اليوم الذي أفقنا فيه، فحالياً تزمع الأمانة إنشاء مركز لمعالجة المخلفات الصناعية والخطرة، ومردم للتخلص منها بعد معالجتها. وقدرت الأمانة تكلفة المشروع، الذي تنوي طرحه للاستثمار بـ 400 مليون ريال. هذه خطوة واسعة إلى الأمام، كان من الواجب أن تتزامن مع تشييد المصانع، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.

وفي سياق ذلك عقدت الأمانة ورشة عمل يوم الأربعاء 17 محرم، شارك فيها وحضرها العديد من ممثلي القطاع العام والخاص وبعض المختصين. عرضت فيها الأمانة استراتيجية إدارة المخلفات الصناعة، وتمت مناقشة السبل والآليات المتاحة لإدارة ومعالجة المخلفات والطرق المعتمدة للتخلص منها.

وذكر مدير الإدارة العامة للسلامة والنفايات الخطرة بالرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة خلال هذه الورشة، نتائج المسح الميداني، الذي أجرته الرئاسة، على المصانع ومصادر التلوث في المملكة ومن بينها مدينة جدة، فقال" لم نلاحظ هذا الحجم من المخاطر التي تردده الصحف أحيانا ويصل إلى حد المبالغة..."!

الكل يعرف أن في المنطقة الصناعية بمدينة جدة مصانع للدهانات، ومصانع للبلاستيك والسجاد والطلاء المعدني، ومصانع لسبك الرصاص، والمنظفات. ويعرف المختصون أن لهذه الأنشطة وغيرها مما هو موجود في المنطقة مخلفات خطرة في أشكال مختلفة، فمنها السائلة ومنها الغازية والصلبة.

وهناك دراسات لا حصر لها، أجمعت على وجود علاقة متينة بين مخلفات المصانع المذكورة وتدهور البيئة، وثبت ارتباط بعض المركبات الكيماوية الموجودة في مخلفات عدد من المصانع النشطة في المنطقة بأمراض خطيرة مثل السرطان والفشل الكلوي وغيرهما، وهناك من الوثائق العلمية ما يثبت آثارها على سلامة الأجنة والمواليد.

ويقابل تأكيد وكيل الأمين على عشوائية التعامل مع هذه المخلفات الخطرة في مدينة جدة، نتائج المسح الميداني المريحة. لا يمكن التوفيق بين استنتاج الرئاسة ورؤية الأمانة! إلا أن نستثني مخلفاتنا الخطرة، ونعتبرها بردا وسلاما، لا ضرر منها على صحة الإنسان ولا على سلامة البيئة. أو نعتبر أنفسنا وبيئتنا محصنين ضد الآفات بأنواعها؟

ترى كم أنتجت الصناعات المختلفة في مدينة جدة من أطنان من المخلفات الصناعية الخطرة؟ وأين ذهبت كل هذه المخلفات؟ أسئلة تجد إجابتها على ساحل البحر، وشواطئ جنوب المدينة، وفي الأماكن الخالية والقريبة من المنطقة الصناعية، وفي باحات المنشآت الصناعية وخلفها. في هذه الأماكن تجد بقايا السموم وآثار الممارسات الخاطئة في التعامل مع نفايات خطرة ومواد شديدة الفتك بصحة الإنسان وسلامة البيئة.

ما تسعى إليه أمانة محافظة جدة مبادرة موفقة لحماية صحة الإنسان وصون البيئة من آفات التلوث بالمخلفات الصناعية في مدينة جدة. لكن ما يجب التأكيد عليه هو ضرورة التخطيط لهذا البرنامج بحذر، وبناء المركز على أسس علمية وتجارب موثقة.

فأولاً: لابد من دراسة مسحية للتعرف على الوضع الراهن، وتقدير كمية المخلفات وأنواعها وخواصها، ثم اختيار الأساليب المناسبة لظروف المنطقة، من خلال دراسات علمية ومقارنة المتاح من التقنيات، وبعيداً عن اللجان وورش العمل والاجتهاد بالرأي. ليس من الضروري اللجوء إلى تقنيات معقدة ومتطورة، نعجز في المستقبل عن تشغيلها وصيانتها، إما لارتفاع تكلفة تشغيلها وصيانتها، أو لحاجتها إلى عمالة عالية المهارة ومدربة، قد لا تتوافر محلياً.

كما يجب ألا نلتفت إلى دعاوى الشركات، وعلينا توخي الحذر من التجار المتجولين، والمروجين لبعض التقنيات الحديثة التي لم تجرب بما فيه الكفاية، ولم تثبت فاعليتها، خاصة في ظروف مشابهة لبيئة المنطقة.

ثانيا: لابد من دراسة التقويم البيئي لهذا المركز وتقدير آثاره على عناصر البيئة المحيطة، خاصة المياه الجوفية. فتسرب مواد سامة ومركبات كيماوية خطرة إلى المياه الجوفية سيحيلها إلى عدم، ولنا في قضية حمراء الأسد عبرة.

ويجب أخيراً، أن نذكر أن الموقع الذي يقع عليه اختيارنا اليوم سيبقى لسنين عديدة وعقود مديدة قد تصل إلى قرون، منطقة محظورة لكل نشاط آدمي، فلننظر أين نضع مخلفاتنا الخطرة. إن اختيار موقع لمعالجة المخلفات الخطرة والتخلص منها، أمر شاق، وقرار صعب لا يمكن اتخاذه بناء على ما هو متاح، ولا بسند إلى رأي. هناك منهجية مقننة وإجراءات محددة يجب التأكيد على اتباعها بدقة عند اختيار الموقع.

 


آخر تحديث
3/19/2011 11:17:58 AM